تلقى الاقتصاد المصري مؤخرًا دفعة قوية من الأحداث والأخبار الإيجابية. جاءت هذه الدفعة بعد الإعلان عن صفقة “رأس الحكمة” في فبراير الماضي، وتعويم العملة ورفع الفائدة بنسبة 6٪ في الأسبوع الأول من مارس.
من بين هذه الأحداث الإيجابية تدفق العملات الأجنبية، التي إذا تم إدارتها بشكل جيد من قبل الحكومة الحالية، قد تساعد في تحسين الوضع الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن هذه العملات الأجنبية لا تزال محصورة في الاقتصاد المصري، وهناك حاجة لفترة زمنية لتحقيق تحولها إلى اقتصاد منتج.
وقد شهد الاقتصاد المصري ضربات من الداخل والخارج في الفترة الأخيرة، مما أدى إلى وقوعه في أزمات متتالية.
ومن بين العوامل التي ساهمت في ذلك هو اعتماد مصر على أربعة قطاعات لجذب العملات الأجنبية وهي السياحة وتحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس والصادرات.
وقد تأثرت هذه القطاعات بشكل كبير بالمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
على سبيل المثال، تأثرت السياحة بتداعيات الحرب في غزة، مما يجعل من الصعب على الحكومة تحقيق هدفها المتمثل في استقطاب 30 مليون سائح بحلول عام 2028. ومع ذلك، تمكنت السياحة من التعافي بعض الشيء رغم هذه التحديات.
وشهدت تحويلات المصريين في الخارج تراجعًا كبيرًا بنسبة 30٪، نتيجة لتزايد الطلب على الدولار في السوق السوداء. وتراجعت أيضًا إيرادات قناة السويس بنسبة 50٪ بسبب الاضطرابات الملاحية في البحر الأحمر.
وبالنسبة لقطاع الصادرات، فإنه يعد القطاع الذي يمكن للحكومة المصرية التحكم في زيادة إيراداته.
وقد بدأت مصر مؤخرًا في الاهتمام بتطوير هذا القطاع، نظرًا لأنه يعد مصدرًا هامًا للعملات الأجنبية، خاصة مع تخفيض قيمة العملة المصرية، مما يجعل المنتجات المصرية أكثرتنافسية من حيث الأسعار.
في الربع الأول من عام 2024، شهد قطاع الصادرات الزراعية في مصر نموًا ملحوظًا، حيث تجاوزت كمية الصادرات 2.2 مليون طن بقيمة 1.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 300 مليون دولار مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وتعود هذه الزيادة في صادرات القطاع الزراعي إلى نجاح مصر في فتح 95 سوقًا خلال العشر سنوات الماضية وتصدير أكثر من 400 سلعة زراعية إلى 160 دولة، وفقًا لوزير الزراعة السيد القصير.
وهذا يعني أن مصر بدأت مؤخرًا في الاهتمام بتطوير قطاع الصادرات، لأنه يعد مصدرًا هامًا للحصول على العملات الأجنبية. ومع تخفيض قيمة العملة المصرية، فإن ذلك يزيد من تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق الدولية بفضل توفرها بأسعار منخفضة.
بداية التحولات
منذ إعلان مصر في 23 فبراير عن صفقة “رأس الحكمة” بقيمة 35 مليار دولار، أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد، بدأ الاقتصاد المصري يشهد تحسنًا كبيرًا.
وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن التعاملات في السوق السوداء تراجعت على الفور، وعادت الاستثمارات الأجنبية إلى أدوات الدين المصرية بعد تعويم العملة ورفع الفائدة إلى 6 في المائة في اجتماع استثنائي يوم 6 مارس.
وفي نفس اليوم، توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لزيادة قيمة القرض التمويلي من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن قروض ومنح ومساعدات بقيمة 8.1 مليار دولار، مع زيادة التعاون بينهما إلى شراكة استراتيجية.
وبعد أيام قليلة، أعلن البنك الدولي عن حزمة دعم مالي لمصر بقيمة 6 مليارات دولار، ورفعت وكالتا “موديز” و”ستاندرد أند بورز” توقعاتهما المستقبلية للاقتصاد المصري إلى إيجابية، مما يشير إلى احتمال رفع التصنيف الائتماني.
وقامت الحكومة المصرية بتوقيع مذكرات تفاهم مع 7 كيانات دولية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، بهدف جذب 40 مليار دولار من الاستثمارات في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة على مدى 10 سنوات.
وأعلنت مجموعة “Danieli” الإيطالية استثمار ما يصل إلى 4 مليارات دولار لإنشاء مجمع لصناعة الصلب الأخضر في مصر.
الوضع الآن
وفي منتصف مارس، أعلن مدبولي أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج بدأت تعود تدريجيًا إلى معدلاتها الطبيعية، خاصةً بعد انحسار السوق السوداء وعدم وجود فارق كبير بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
وتوقع بنك “غولدمان ساكس” ارتفاع تدريجي في التحويلات بعد هذه الإجراءات، حيث قد تصل إلى حوالي 30 مليار دولار خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن تتجاوز 33 مليار دولار بحلول عام 2027.
أظهرت بيانات ميزانالمدفوعات الجارية في مصر تحسنًا ملحوظًا، حيث ارتفعت في الربع الأخير من عام 2023 بنسبة 14.5٪ مقارنةً بالربع السابق.
وتشير التوقعات إلى استمرار التحسن في الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة.
ومن المتوقع أن يساهم الاستثمار الأجنبي في تنشيط الاقتصاد المصري وزيادة فرص العمل. كما تعزز الإصلاحات الاقتصادية المستمرة في مصر ثقة المستثمرين وتعطي دفعة قوية للنمو الاقتصادي.
على الرغم من التحسن الكبير في الاقتصاد المصري، فإنه لا يزال هناك تحديات تحتاج إلى التعامل معها، مثل تحقيق الاستدامة في النمو وتعزيز التنمية الشاملة وتحسين الظروف المعيشية للمصريين.
لذلك، يتطلب تحقيق نمو مستدام واستدامة التحسينات الاقتصادية المحققة في مصر استمرار الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز بيئة الأعمال وتنشيط الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة.
كما يتطلب ذلك تعزيز التنمية البشرية وتحسين البنية التحتية وتنويع قواعد الاقتصاد وتعزيز التجارة الخارجية وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا.
تبذل الحكومة المصرية جهودًا حثيثة لمعالجة هذه التحديات وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في مصر، ومن المتوقع أن تستمر هذه الجهود في المستقبل لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين معيشة المصريين.
تكلفة الديون
في يوم الخميس الماضي، جمعت وزارة المالية مبلغ 25 مليار جنيه من بيع أذون خزانة لمدة عام و35 مليار جنيه من بيع أذون خزانة لمدة 6 أشهر في عطاء.
هذا وفقًا للموقع الإلكتروني للبنك المركزي الذي أفاد بتراجع متوسط العائد على الأذون لمدة عام إلى 25.9٪ من 32.3٪ في وقت سابق من الشهر الحالي.
كما تراجعت عائدات الأذون لمدة 6 أشهر إلى 25.74٪ من 31.84٪ في وقت سابق من الشهر.
تشير هذه الأرقام إلى زيادة جاذبية أدوات الدين المحلية قصيرة الأجل للمستثمرين الأجانب منذ تعويم العملة.
بالإضافة إلى ذلك، قام البنك المركزي المصري ببيع سندات خزانة لمدة 3 سنوات ذات عائد ثابت نيابة عن وزارة المالية بقيمة 2.9 مليار جنيه في الأسبوع الماضي، حيث بلغ العائد 25.46٪ مقارنةً بـ 26.23٪ في السابق.
جاء ذلك بعد تراجع تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر بشكل حاد، حيث انخفضت عقود التأمين لمدة 5 سنوات إلى حوالي 5٪ مقابل 9.85٪ في السابق وأكثر من 16٪ قبل إعلان صفقة “رأس الحكمة”.
وهذا المستوى عادة ما يكون مرتفعًا للدول التي تعاني من تأخر في سداد ديونها.
يطالب الخبير الاقتصادي الدكتور شريف هنري بضرورة “حُسن إدارة” التدفقات النقدية من الدولار وعدم تثبيت سعر الصرف بعد الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، على عكس ما حدث في الفترات السابقة.
من المقرر أن تستقبل مصر الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار الأسبوع المقبل، وفقًا لتصريحات مدبولي.
سيعقد صندوق النقد الدولي مؤتمرًا صحفيًا يوم الاثنين للإعلان رسميًا عن الموافقة على زيادة القرض ورؤيته للاقتصاد المصري.